لماذا السودان؟

لماذا السودان؟ 
بقلم عادل عبد العزيز
سؤال دار على جوارح و ألسنة الكثير كيف تعثرت السودان في مستنقع الوحشية وزهق الأرواح؟هذا السؤال سبق وأن تكرر على دول عدة قد ذاقت من طعم المعاناة والبأس ما الله به عليم، فلنأخذ العراق ..التي كانت تسمى بدجلة الخير وأم البساتين، بعد حربها الضروس أصبحت تدعى بمأساة القرن والتاريخ المنسي فلماذا العراق؟ وعن غزو أفغانستان التي بدأ بسياق “الحرب على الإرهاب “وانتهت بمسمى” منبع الإرهاب” فلماذا أفغانستان؟..وليبيا بقيادة معمر القذافي الذي قال عن نفسه “أنا حجر الأساس، إن أردتم التخلص مني يجب عليكم هدم المبنى بالكامل “وتم بالفعل هدم المبنى بالكامل..فماذا عن ليبيا؟
هذه البلدان الثلاث التي أتعبها أصوات الرصاص وأنين الأطفال، يجمعها شيء واحد مشترك، هو أن جميعها بدأت بأيد أمريكية، مبدأهم كان القضاء على الإرهاب وجعل العالم مكانا أفضل، وظاهر هذا المبدأ هو خراب ودمار..واستنزاف للإنسانية والحضارة..
والآن أتى الدور على السودان.
السياسة أم الاقتصاد…ما الذي يدفع قوى كبرى للتحرك نحو السودان؟
تطرح التحركات الإقليمية والدولية نحو السودان بعد ثورة أبريل، الكثير من التساؤلات حول الإمكانيات التي يمتلكها والتي تمثل عوامل جذب للحكومات سواء في الشرق أو في الغرب، وهل العامل الاقتصادي هو المحرك الوحيد أم هناك عوامل أخرى وراء تلك التحركات؟
حيث أن رغبة دول العالم في العمل داخل السودان يرجع إلى عدة اعتبارات منها، أن السودان يمتلك ساحل طوله 750 كم على البحر الأحمر لم يتم استغلاله حتى الآن، وهناك الكثير من سواحل البحار في العالم تم استنزافها بصورة كبيرة في المجالات السياحية وعمليات الصيد وغيرها من النشاطات البحرية.. فهذه السواحل الممتدة على البحر الأحمر لها أهداف كثيرة سواء اقتصادية أو استراتيجية وعسكرية، لذا فالكثير من الدول تتسابق من أجل الاستفادة من هذا الساحل الطويل.
الموارد الطبيعية
طبعا كما يقال عندما تعطي الأعمى العينين فسيطالبك بالحاجبين، فالتسابق لم يكن في مجال واحد فقط بل شمل عدة مجالات ليضم مجال التعدين وبشكل خاص الذهب..والذي يعد الملاذ الآمن عند حدوث أي مشكلة في الاقتصاد العالمي، ومعلوم أن السودان ينتج كمية وافرة من الذهب، تجعل من المرتوي ظمئا.
قدرات السودان الطبيعية الهائلة والمتفردة جعلت منه مكانا جاذبا لدول العالم، حيث يمتلك السودان ما يقارب 80 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة والمستغل منها فقط حوالي 30 بالمئة، علاوة على المصادر المتنوعة للمياه مثل مياه النيل والأنهار الأخرى، والمياه الجوفية بكميات كبيرة ومياه الأمطار التي تعد مهدرة ولم يتم استغلالها بصورة كبيرة، كما يمتلك 108 مليون رأس من الماشية والتي تجعل السودان ضمن كبريات الدول التي تمتلك ثروة حيوانية، بالإضافة إلى التنوع في المحاصيل بصورة كبيرة، علاوة على المحاصيل النادرة التي لا يوجد لها مثيل في العالم مثل “الصمغ العربي”، حينما فرضت أمريكا الحصار الاقتصادي على السودان في العام 1997 استثنت الصمغ العربي لدخوله في صناعات استراتيجية وهامة وعدم وجود بديل يضاهي الموجود في السودان.
السودان يمتلك الكثير من الإمكانيات الزاخرة يعلمها كل المتابعين للجغرافيا وإمكانيات الدول، في الوقت الذي لا توجد تلك الموارد في الكثير من الدول.
السباق الآن يدور بين أمريكا وروسيا، كذلك تحتاج الصين الآن إلى أن تعيد مكانتها الاقتصادية في التعامل مع السودان، باعتبار أنها استثمرت في مجال البترول ونجحت بصورة كبيرة حينما كان السودان في عزلة من قبل الغرب، كما تسعى أوروبا للاستثمار في السودان في مجالات عديدة مثل التعدين وغيرها، نظرا لموقع السودان الاستراتيجي بين العالم العربي والقارة الإفريقية.
تاريخ إفريقيا مع الحروب..
هزت صراعات عديدة مختلف الدول الأفريقية على مر السنين، مما تسبب في وفاة وإصابة وتشريد الملايين.
حيث توجد حالات من عدم الاستقرار السياسي في جميع أنحاء القارة، واستعر العنف والاضطراب فيها، وعلى خلفية هذه الاضطرابات فإن هذه ليست المرة الأولى من نوعها التي تذوق فيها السودان طعم الحرب.
فقد كانت الأولى ما بين عام (1955 – 1972) والثانية في عام (1983 – 2005) وحرب دارفور الضارية في عام (2003) واستقلال جنوب السودان (2011) والنزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق (2011 – 2020) والثورة السودانية (2018 – 2019) حيث تولى السلطة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
ولهذا لا يمكن فصل حرب الجنرالات الحالية عن مسيرة تلك الحروب الأهلية والوقائع في السودان، ولعل ما يميز الحرب الحالية في السودان أن فاعليْن يتزعمانها، الفريق أول عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان، وهو عسكري تدرّج في المؤسسة العسكرية، والفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهو عسكري من خارج المؤسّسة العسكرية، بل هو زعيم مليشيا قوية تصافحت مصالحها مع مصالح من حكموا السودان عقودا.
هذا كله يذكرنا عن ديمومة الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة في العالم الإفريقي منذ استقلال دول إفريقية عديدة، فمنذ ستينيات القرن الماضي نالت نيجيريا استقلالها عام 1960، وبعد سبع سنوات اندلعت الحرب الأهلية والتي عرفت أيضًا باسم حرب بيافرا، بدأت من 6 يوليو 1967 إلى 15 يناير 1970.
وكانت أحد الأسباب المباشرة للحرب هو انقلاب 15 يناير 1966، والانقلاب المضاد في 28 يوليو 1966، وما تبع ذلك من مجازر جماعية للشرقيين (لا سيما إيجبوس) في شمال نيجيريا.
وعرف الموزمبيق كذلك حربا أهلية حيث بعد عامين من حرب الاستقلال، بدأت الحرب الأهلية بين النظام الحاكم وحركة موزمبيق للمقاومة,ورغم انتهاء تلك الحرب في عام 1992، إلا أنه تم إعادة إحيائها في عام 2013
ولا يجب أن ننسى حرب جنوب السودان الأهلية..حيث من الطبيعي أن يفوز بلد ذو شعب له نفس الثقافات وأن يعم السلام، أليس كذلك؟ هذا ما برهنت بخطأه جنوب السودان.
ففي عام 2013، اندلع القتال بين حركة تحرير شعب السودان، وهي الحزب الحاكم، وحركة تحرير السودان الشعبية المعارضة.
وانهارت محادثات السلام بين الفصيلين مرتين، وحذرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنه إذا لم يقم المجتمع الدولي بفعل شيء فقد تكون هناك إمكانية لحدوث مذبحة رواندا أخرى.
بعض العوامل التي اندلعت بسببها معظم هذه الحروب الأهلية، مثل الخوف من التهميش والصراع حول السيطرة على الموارد الطبيعية في البلاد، ومشاعر التفوق العنصري أو العرقي لا تزال تؤرقنا، ولا تزال معظم الدول الأفريقية في العصر الحديث غير قادرة على التخلص الفوري من تاريخها الاستعماري.
واستمر عدد كبير منها ببساطة مع الهياكل السياسية الاستغلالية التي تركها لهم الاستعمار بعد الاستقلال، فيما حاولت دول أخرى لاستبدال الاستغلال الاستعماري بآخر عرقي، ما أسفر عن اندلاع الحروب الأهلية.
ما المبرر؟
ما هي المبرّرات الموضوعية التي مهدت لنشوب الحروب الأهلية المتتالية والمستمرة في البلدان الإفريقية وجديدها أخيرا الحرب الأهلية في السودان؟
يرتبط إشعال الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة في دول إفريقية عديدة، بالدرجة الأولى، بعدم اكتمال مشروع بناء الدولة الوطنية، بل يمكن الحديث، في بعض الحالات، عن فشل مشروع بناء الدولة ودولة المؤسّسات، فالدول التي عرفت حروبا أهلية أثبتت هشاشتها المؤسّساتية، فبعد عقود من الاستقلال، لم تعد الدولة مكانًا تمارس فيه السلطة، بل أصبحت ساحة نزاع.
ولعل ما سرّع في إضعاف الدولة ومؤسّساتها توسّع نفوذ الانتماءات والهويات والمصالح، لتستغل جهات عديدة غير حكومية هذا الوضع لملء الفراغ وبسط نفوذها، يضاف إلى ذلك عجز مختلف المؤسّسات المجتمعية والحزبية والنقابية في المجتمع عن ترسيخ سيادة الدولة، حيث لا يستطيع مجتمع مجزّأ بسبب انتماءاته البدائية تعزيز مصالحه المشتركة، أو تكوين روابط أفقية للتضامن، لينتج عن هذا الوضع بروز دول هشّة ومشلولة.
في ظل هذا الشلل والهشاشة، لم يعد الجيش والشرطة يكفلان الأمن والنظام العام، فقد أضعفتهما فصائل متنافسة، سرعان ما ارتبطت بمنظماتٍ غير قانونية.
وهذا ما حدث في الحرب الأهلية النيجيرية ويحدث الآن في السودان، ولعل من بين أخطر انعكاسات هذه الأوضاع شراسة العنف ضد المدنيين من مختلف الانتماءات لردع الخصم.
لماذا كل هذا الإهتمام الغربي لأفريقيا
تمثل الدول الإفريقية نظرا إلى موقعها الاستراتيجي وتعدّد ثرواتها منطقة الفرص؛ لهذا كانت دوما محطّة نفوذ وتدخلات أجنبية متواصلة ومتعدّدة، حيث مع أعقاب الحرب العالمية الثانية، وإنهاء الاستعمار في الدول الأفريقية تغيرت خريطة التدخل الخارجي، لتبدأ ملامح جديدة للتوترات الإقليمية في ظل المشاكل الاقتصادية والسياسية، وبروز الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كلاعبين جديدين في المنطقة.
ومع نهاية سبعينيات القرن الماضي، تغيّرت خريطة التدخل الأجنبي، لتتجاوز منطق الحرب الباردة، ليبرز فاعلون جدد من الخارج، كالصين وبعض الدول العربية.
ومنذ بداية العقد الأول من الألفية الجديدة، وتزامنا مع إنشاء الاتحاد الإفريقي، اتسعت خريطة التدخلات الأجنبية في دول عديدة، خصوصا التي عرفت بداية نزاعات مسلحة، لتجمع تلك التدخلات بين قوة أجنبية قديمة وجديدة، بعيدة وقريبة، عدوة وصديقة، لتصبح مواطن الحروب الأهلية في القارة السمراء، خصوصا في الصومال وبوركينا فاسو.
مناطق صراع، تعدّدت فيها هويات التدخلات الأجنبية، تدخلات عطلت وما زالت تعطّل إراديا بروز ملامح حل للحروب الأهلية، بل إنها تساهم في إعادة تركيبها دوما كما هي الحال في السودان، وتمديد الفوضى ومرحلة الفراغ السياسي، ليبرز جليا أن التدخلات الخارجية، مهما كانت طبيعتها أو مصدرها، بأنها ليست الحل.
وهنا يجب الإشارة إلى أن فتح الأبواب أمام التدخّلات الخارجية جزءٌ من ملامح الإفلاس المؤسساتي، وذلك لعجز الدولة عن إدارة مشكلاتها ونزاعاتها الداخلية بذاتها، فالاعتماد المتزايد على التدخلات الخارجية ليس أفضل الحلول ولا أنسبها.
ولعل ما يشهد على عدم جدوى التدخلات الأجنبية مساهمتها في تمديد عمر الحروب، فحل الحرب الأهلية في إثيوبيا بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والحكومة الإثيوبية التي عرفت تدخل أطراف مختلفة لم يأت إلا بعد اللجوء للبيت الأفريقي الاتحاد الإفريقي، كما ينص على ذلك ميثاقها الخاص(حلول إفريقية لمشاكل إفريقية) أما في ليبيا والسودان، فقد عرفت الحروب الأهلية تدخّل أطراف بعيدة وقريبة، فلم تبرُز بوادر الانفراج السياسي بعد مرور أكثر من عشر سنوات من انطلاقة الحرب الأهلية في هذه البلدان، لتطول بذلك معاناة المدنيين.
كفى أعذار وتبريرات سطحية
الحروب الأهلية في البلدان الإفريقية، بما فيها السودان، هي نتاج لفشل مشروع بناء الدولة، فشل تضاعف من خلال الاستنجاد المستمر بالآخر، لتصبح هذه الدول مواطن صراع وتنافس مفتوحة بين قوى خارجية عديدة، بعيدة وقريبة.
لهذا لا يمكن الاكتفاء في تبرير نشوب وديمومة الحروب الأهلية في البلدان الإفريقية ببعض التبريرات السطحية، بل يجب تجاوزها من أجل الفهم الصحيح لهذه المعضلات الإفريقية من أجل تفادي خسائر مستقبلية قي القارة السمراء، خصوصا إذا علمنا أن الحروب الأهلية في القارة السمراء أسفرت عن وفاة أكثر من مليون ونصف مليون مواطن إفريقي، وتهجير الملايين وبروز أزمات إنسانية ومجاعات مختلفة وهدر لفرص تنموية متعدّدة، بل وحتى تقسيم دول وفقدان سيطرة دول أخرى على وحدتها الترابية.
ولا يقتصر الاحتكام إلى لغة النار على الخسائر البشرية، بل إنه يهدّد وجود الدولة ومؤسّساتها والتوجه نحو ميلاد دولة فاشلة.
ليست ديمومة الحروب الأهلية وتعدّدها في المنطقة الإفريقية حتمية تاريخية ولا قضاء وقدرا ولا موروثا تاريخيا، بل إنها إفرازات لنظم سياسية لم تعرف تجديد النخب السياسية، وتجديد المشروع الوطني، وتجديد طبيعة الفكر الاجتماعي والسياسي، وتحديث آليات الإدارة.
هذا الجمود الذي سيرهن أكثر وأكثر مستقبل الأجيال المقبلة من الأفارقة، إن لم يتم إحداث مراجعات موضوعية من أجل التخلص من آفة الحروب الأهلية التي تعدّ المنطقة الإفريقية أولى منتجيها.
Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *