…رسالة إلى إثيوبيا…


بقلم: بيليني سيوم

 

إثيوبيا العزيزة..

بعد ظهر أمس، بينما كنت أتجول في جولة لاستعراض موقع مشروع متحف العلوم في آرات كيلو، ومرورا بمسرح القبة المغطى بالألمنيوم الفضي، شعرت بالرهبة، في مخيلتي، كنت قد تقدمت بمخيلتي بسرعة إلى وقت ما بعد الانتهاء حيث كان المسرح مليئا بالناس، صغارا وكبارا، يصعدون الدرج إلى القاعات، ويملئون المقاعد الفارغة ويستعدون لمشاهدة عرض أو فيلم.

 

بعد نصف ساعة وبينما كنت أسير في حدائق الزهور وملعب كرة قدم صغير ومنطقة لعب للأطفال في جزء المرحلة الثانية من موقع مشروع شقر، تسللت إلي فكرة لم أختبرها طوال حياتي.

 

مع تساقط قطرات المطر برفق على وجهي من السماء الملبدة بالغيوم، تمنيت لأول مرة أن أكون في العشرين من عمري مرة أخرى،، أحييك – إثيوبيا – من لحظة الرهبة والعجب هذه.

 

أود أن أتذوق إمكانياتك التي لديك والمكان الذي ستصيرين إليه في شبابي، هذه الرهبة والأمنية لا تقتصر على هذه المواقع، فقبل أسابيع قليلة، كانت لي زيارة لاستكشاف إصلاحات قطاع الأمن والتطورات ذات الصلة والذي كان بمثابة أمل جامح في داخلي..

 

إثيوبيا..

لقد عرفتك طوال حياتي، ومع ذلك لم أعرفك بشكل وثيق كما عرفتك خلال السنوات الأربع الماضية، سافرت في العديد من أركانك ووديانك ومرتفعاتك، ضحكت وبكيت معك خلال الانتصارات والثورات، وشاهدتك اتساع أرضك.

 

إن تنوعك في النباتات والحيوانات ساحر مثل تنوع أطفالك ومواهبهم وكذلك تطلعاتهم، تنعم أراضيك في عرضها واتساعها وامتدادها بمكافأة لم يدرك أطفالك كم هم محظوظون للغاية جميعا بها.

 

لقد رأيت أصدقاءك يتحولون إلى أعدائك، وأولئك الذين كانوا يعتبرون أعداءك في يوم من الأيام أصبحوا يقفون إلى جانبك في وقت الحاجة.

 

تم الكشف عن سماتك الطبيعية المخفية بقدر ما يتم إطلاق العنان لإمكانات أطفالك وخيالهم من أجل الإنتاجية، ما كان من المستحيل التفكير فيه وإحيائه أصبح الآن محتملا من خلال أولئك الذين يختارون العمل بكل جهد.

 

لقد التقيت بأولئك الذين يستيقظون في الظلام، وفي الساعات الأولى من الصباح يتعرقون ليلقوا الضوء على فضلك ويعززوه، لقد عشت ليالي كثيرة في حزن شديد محتارة من أفعال أولئك الذين حولوا ما لم يسعوا لأجله إلى رماد.

 

لا يفهم المخاض وألمه سوى عدد قليل، أولئك الذين يعرفون ويختبرون النضال من أجل طرح فكرة في هذا العالم ونقلها إلى ثمارها هم الذين يفهمون تكلفة حمايتها.

 

إثيوبيا.. افتخري بأطفالك الكثيرين الذين يكدحون بهدوء لأجلك، بينما انسل بعض الذين يمرون عبر الحياة على ظهور آخرين، لا يحصد الحصاد من ينبح بأعلى صوته، بل يحصده أولئك الذين يواصلون المثابرة على الرغم من لهيب الشمس الذي يحرق وجوههم وأشواك شجيرة الورد تجرف راحة يدهم، تستحقين المجد يا إثيوبيا، ويستحق ذلك أطفالك اليوم وأولئك الذين سيأتون غدا.

 

إثيوبيا..

هل تتساءلين أحيانا لماذا يختار البعض تجاهلك؟ لماذا لا يرغبون في التعرف على ضخامة المساحة التي تحتويك والتي تكفي لنا جميعا؟ وعلى الرغم من كل هذه الوفرة، هل تتساءلين لماذا نفضل إشعال الفتنة على أسس الانقسام؟

 

إثيوبيا.. هل غالبا ما تنظرين إلى أطفالك وتتساءلين لماذا نتخلى أحيانا عن إنسانيتنا المشتركة، مسؤوليتنا المشتركة ولماذا نتخلى عن وحدتنا بسبب أمور تافهة، بينما السيادة التي ورثناها عنك على هذه الأرض وفيرة؟
هل رعت إثيوبيا أطفالا واعين يستيقظون كل صباح مسلحين ومستعدين للدفاع عنها وتطويرها؟

الرهبة والتساؤل التي عشتها بالأمس ليست مصدر امتياز، بل هو أمر متجذر في الاختيار، اختيار الأمل، إنه لا ينفي التحديات والمشاكل العديدة التي نواجهها كدولة أو مجتمع عالمي. ومع ذلك، فإن السخرية ليست لها قوة تحويلية.

 

إثيوبيا..

أرى أن ما لديك اليوم أكثر.. إلى جانب ما يسلبه البعض منك كل يوم، أرى روعتك تحت كومة الكراهية والانقسام التي يحاول البعض إلصاقها بك،، أرى الأمل في غد مزدهر وسط فوضى شاقة،، أعرف الكثيرين ممن يكدحون بهدوء، افعلوا ذلك برؤية لغد أفضل تنتظرهم.

 

نعم، هناك العديد من التجارب والعقبات التي ابتليت بها أطفالك، لكن مع ذلك هناك العديد من أطفالك المتميزين الذين لديهم الوسائل والاختيار ليكونوا محفزين للأفعال الإيجابية والتغيير.

 

إثيوبيا، عندما أغلق هذه الرسالة، أتمنى فقط ثلاثة أشياء، أتمنى من الأطفال الذين ربيتهم حتى الآن أن يكون لديهم الشجاعة لإصلاح الجسور المحطمة وأن يدعو للوحدة، والتخلي عن القوى الخارجية التي تتنافس على تحطيمنا، أتمنى أيضا أن الأطفال الذين تعتني بهم يرون الأمل والعمل من أجل تنميتك، بينما يرى الآخرون اليأس فقط؛ وأتمنى في الأخير أن يكون لدى الأطفال الجرأة على تخيل وتحقيق إثيوبيا المزدهرة بما يكفي للجميع.

 

إن توجيه أصابع الاتهام وإلقاء كل المسؤولية فقط على فرد واحد أو مجموعة من الأشخاص دون الاعتراف بأننا كأطفال نتمتع كل منا بالقدرة على تغيير أنفسنا أولا على الأقل، هو إنكار لمسؤوليتنا، يمكن للفرد المتحول أن يؤثر بشكل إيجابي على أسرته/ أسرتها، والحي، والمجتمع، والمدينة، وفي النهاية على الأمة.

 

إثيوبيا، أرجو أن تملأ الشجاعة قلوب أطفالك ليستيقظوا..

 

ـ بيليني سيوم، السكرتيرة الصحفية لمكتب رئيس الوزراء الإثيوبي.
Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *